Saturday, June 2, 2012

قمرٌ محير.



يسكن ليلنا، هو جرمنا السماوي المفضل، كيف لا يكون؟ 
فهو المكان الوحيد الذي وطأه الإنسان خارج كوكب الأرض.
 ذلك الشي الذي وجوده الروتيني يبعث على الراحة. دائمًا هناك في عمق السماء يظهر لنا وجهه اللا متغير. 
نراه يلمع بأشعة الشمس المتفائلة، لا نرى سوى وجهه المتبسم و نعتقد بأنه أسعدهم و أكثرهم فرحاً، كيف لا و هو المنير بجمال لا مثيل له؟
لا نعلم أنه في الواقع من أكثر الأماكن صمتاً و حزناً في كوننا الشاسع. و قد تفاجئ لو علمت بأن قمرنا هو محارب قديم ولد من باطن الأرض البدائية، انقسم عنها في محاولة للهرب و كأنه كان يعلم بأنها ستصبح مكاناً لا يطاق، مكان تملؤه الحروب و الدماء و جثث الأطفال المتناثرة و الأكاذيب المتلاطمة. فضل قمرنا الإنسحاب من هذه الفوضى محاولاُ التبرأ منها قبل أن تبدأ. حاول أن يسبح بعيداً في الفضاء و لكن سطوة الأرض بجاذبيتها العاتية فضلت أن تبقيه قريباً في مدارها (يا لها من أنانية!) لكي يرى و يشهد الأحداث. و لربما هذا هو سبب حزنه الذي لا نراه.

الهدوء القاتل
فلو ذهبت للقمر، ما أن تخرج من سفيتك الفضائية حتى يحيط بك الهدوء القاتل! نعم سيدي، هنالك هدوء خانق قاتل لا يمكن إنكاره. فالفضاء لا يحمل بين طياته الهواء فلا ينتقل الصوت من مكان لآخر فتجد نفسك محاط بذلك الهدوء الذي قد يبدو من الوهلة الأولى مسالماً و لكن لا، فالحكاية لم تنتهي هنا بعد.
لربما كان هذا الصمت ردة فعل القمر على كل تلك الأحداث المريعة التي مر بها، ربما هذه وسيله للدفاع عن نفسه أو ربما ما عادت الكلمات لتغير شيئاً ففضل الصمت الأبدي المطبق!

الحداد الرمادي.
نراه أبيضا لامعاً فنظنه سعيداً ضاحكاً، و لكن ما أن تهبط عليه حتى يظهر لك وجهه الرمادي المتشح بسواد في بعض مناطقه و الملئ بالندوب.
لربما تصدم حين تراه عن قرب. فكيف لشي يبدو بتلك السعادة من الأرض أن يبدو بهذا الحزن عن قرب؟
تقف عليه وحيداً و يبدأ حزنه يتسلل إليك، قد تتسائل عن سبب ذلك الحزن و ربما لا يتسع عقلك لاستيعابه فتغرق في حالة من الصدمة و قد تنهار باكياً على حاله.
.
 بالرغم من كل هذا الحزن الذي يملؤه أجد نفسي أحدق إلى وجهه في كل ليلة يظهر فيها،
أجلس أنا و فنجان القهوة مترقبة إنقطاع الكهرباء عن الحي حتى لا يعود هنالك ما يزعج قمري و يشتت انتباهي عنه. أجلس على حافة الشرفة و أنظر إليه. فكلانا يعلم شيئاً لا يعلمه الآخرون.
نجلس سوياً في صمتنا المطبق، فنحن أصدقاء قدماء لا نحتاج لكي نتحدث ليفهم كلانا الآخر.
يجعلني أتساءل أحياناً ما مصير أهل الحزن؟ فالقمر صاحب الخبرة في هذا المجال، فهو متوقف في هذا الزقاق من الكون منذ أربعة بلايين سنة ونصف. هل كان حزيناً منذ ولادته؟ و هل سيبقى حزيناً حتى مماته؟ هل سيتمكن من الابتسام بصدق يوماُ ما؟
يحيرني قمري.
ولكن حيرتي هذه لا تزيد سوى حبي له.
أحبه بالرغم من مزاجيته و حزنه و حداداه. فهو محاربي القديم و صديقي الدائم.

2 comments:

Rana Sobhi said...

my fav quote:
"قد تفاجئ لو علمت بأن قمرنا هو محارب قديم ولد من باطن الأرض البدائية، انقسم عنها في محاولة للهرب و كأنه كان يعلم بأنها ستصبح مكاناً لا يطاق، مكان تملؤه الحروب و الدماء و جثث الأطفال المتناثرة و الأكاذيب المتلاطمة. فضل قمرنا الإنسحاب من هذه الفوضى محاولاُ التبرأ منها قبل أن تبدأ."

Anonymous said...

من تراه يراقب كوكبنا المليء بالمرارة و السواد ولا يصيبه شيء من ذلك !!
ألا يكفي أننا دمرنا أرض السلام و العطاء فبحثنا عن ضحايا جدد كان القمر أولهم !! لا استبعد تحالف الفضاء بأكمله على أرضنا, فهي كالسرطان تغزو و تفتك !